في فيلم (فورست جمب) يجيب توم هانكس عن كل من يتهمه بالغباء والبلادة بجملة جاهزة:
“الغباء هو التصرف بغباء” “stupid is as stupid does”
وهذا القول يروقني كثيرا كونه يتجاوز المظهر (الذي قد يوحي بالغباء أو الذكاء) ويحكم مباشرة على التصرفات والأفعال ذاتها..
فأنت ببساطة ما تفعله ويحكم عليك الناس من خلاله.. إن فعلت أو اتخذت قرارات غبية تكون “غبيا” وإن فعلت أو اتخذت قرارات ذكية تكون “ذكيا”…
وهذا يعني أن مسألتيْ الذكاء والغباء تتضمنان جزءا إراديا واختيارا شخصيا بصرف النظر عن الدرجة التي تحققها في اختبارات الذكاء.. وقناعتك بهذه الحقيقة من شأنه رفع مستوى ذكائك من خلال ملاحظة هذه الآلية والحرص على التصرف بذكاء مستقبلا وعدم تكرار أخطاء الماضي..
فحين ترتكب نفس الخطأ لثاني مرة لا يصبح خطأ بل قرارا شخصيا وتصرفا غبيا، أما حين تتعلم من أخطائك وترفض أن تلدغ من جحر مرتين تكون قد اتخذت بالفعل قرارا ذكيا..
وأعتقد أننا ندرك في أعماقنا هذه الحقيقة كوننا نتصرف أحيانا بذكاء (وخبث) فيتملكنا الزهو والشعور بالانتصار، وفي أحيان أخرى نتصرف بحماقة (وتسرع غير محسوب) فنقول لأنفسنا أو المحيطين بنا: “لقد تصرفت اليوم بغباء”!!
وكل هذا يعني أن الذكاء لا يتعلق فقط بمادة الدماغ (وتعقيد تشابكاته العصبية) بل وأيضا بوجود خبرات وتجارب ومعارف اختيارية ترفع من نسبة ذكائنا الحالية..
فالإنسان الذي يملك خبرة وتجربة ومعرفة مسبقة يتصرف دائما بطريقة أذكى ممن لا يعرف أو يجرب أو يتعرف على ثقافات مختلفة حتى إن تعادلا في اختبارات الذكاء.. ولكن.. في حين يلام الأول (صاحب التجربة) إن أخفق أو تصرف بطريقة غبية، لا يلام الثاني كونه مر بتجربة جديدة (يفترض) أن ترفع من نسبة ذكائه مستقبلا…
وبناء عليه يمكن القول إن الأغبياء هم الذين لا يتعلمون من أخطائهم، ولا يغيرون آراءهم، ولا يملكون تجارب مفيدة، ويتصرفون بطريقة يرى الجميع أنها (غبية)..
وفي المقابل؛ هناك الأذكياء الذين يتصرفون بطريقة ذكية، ولا يكررون الخطأ مرتين، ولا يترددون في تغيير آرائهم الغبية حين يكتشفون أنها كذلك..
والجميل فعلا أنه يمكنك استباق الخبرة والتجربة والمعرفة المسبقة (لرفع نسبة ذكائك بطريقة اختيارية) من خلال مراقبة الأذكياء ومحاكاة تصرفاتهم الذكية.. لاحظ مثلا عنصر الذكاء في القصة التالية واتخذ قرارا (من الآن) بالتعلم منها..
فقد جاء على لسان حذيفة بن اليمان أنه قال: دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن فى غزوة الخندق فقال لي: اذهب الى القوم (أي معسكر قريش) فانظر ماذا يفعلون، فذهبت فدخلت في القوم (والريح من شدتها لا تجعل أحدا يعرف أحدا) فقال أبوسفيان : يا معشر قريش لينظر كل امرئ من يجالس (خوفاً من الدخلاء والجواسيس) فقال حذيفة: فأخذت بيد الرجل الذي بجانبي وقلت: من أنت يارجل؟ فقال مرتبكاً: أنا فلان ابن فلان!
قصة كهذه يمكنها رفع ذكائك بمتوسط درجة أو درجتين إن تأملت (ثم عممت) عنصر الذكاء فيها.. فهي مثل أي خبرة شخصية يمكنك التعلم منها وتنتهي حتما برفع نسبة ذكائك بطريقة اختيارية !
… والآن؛ اسمح لي بتلخيص فكرة المقال بأربع جمل أساسية يمكنك التغريد فيها :
أنت ما تفعله ويحكم عليك الناس من خلاله..
حين ترتكب نفس الخطأ مرتين لا يصبح “خطأ” بل قرارا غبيا..
يرتفع ذكاؤك (بمعنى الكلمة) حين تتخذ قرارا بأن لا تلدغ من جحر مرتين..
وفي جميع الأحوال؛
لا تشغل بالك بتعريفات علم النفس (فالغباء) هو التصرف بغباء (والذكاء) هو التصرف على ذلك النحو..