من الواضح أن بعض المبتعثين ليسوا على درايةٍ كاملةٍ بثقافات البلدان التي يذهبون إليها. بعضهم لا يعتني بالبلد الذي سيقصده ولا يقرأ عنه، وربما لم يحضر
أي دورةٍ حول الابتعاث وأنظمة الدول وطرق عيش أهلها والثقافة التي يلتزمون بها. لهذا تضطر الخارجية السعودية أن تتحدث معهم عبر الرسائل والتوجيهات
عن بديهيات، لا يسع زائرا لتك البلدان أن يجهلها، فما بالك بمقيمٍ سيدرس هناك. مثلا السلام على الأطفال يكون مصافحة فقط، وليس كما يحدث بمجتمعنا حيث
يملأ الطفل بالقبلات من رأسه إلى أخمص قدميه، هذا المشهد قد يودي بك بالسجن لخمسةٍ وعشرين عاما وربما إلى أحكامٍ أشد وطأة وخطرا. الذي جرى خلال
الأيام الماضية كان مزعجا للكل، أن تكسر بعض التماثيل في بلدٍ ثقافته ممتدة لآلاف السنين مثل اليابان.
القصة أن مبتعثا سعوديا قالت القناة الخامسة اليابانية أن اسمه محمد (31 عاما) قبض عليه لتكسير أربعة تماثيل في معبد سينسو جي في العاصمة طوكيو.
ذكرت وسائل الإعلام اليابانية أن تاريخ هذه التماثيل يعود إلى 300 سنة.
ثمة تربية عجيبة لدينا، أن هناك شعورا بالامتلاء، وأن الأمم كلها لا قيمة لها، وأننا المركز وكل الأمم هي الهامش، من هذا الامتلاء تجد السخرية من عيون
الصينيين وأنوف اليابانيين وكأننا من اكتشف العجلة أو الآلة البخارية أو الجينوم البشري.
الاختلاف مع الثقافات الأخرى ممكن جدا، لكن أحدا لا يملك الحق في التعدي على ما يعتبره غيرنا مقدسا حتى لو اعتبرناه خطأ محضا، وبخاصة في بلدانهم.
من المؤلم أن نستهلك نجاحات تلك الأمم، وبنفس الوقت نحتقرها مع تبذير الساعات وقلة المنجزات. هذا الامتلاء، الذي يغشانا مع تحقير الآخر والتقليل من
قيمته، مخيف، وهو ما ينصع المآزق، مشكلتنا أننا نذهب إلى العالم «فاتحين لا دارسين»، كما يقول الأستاذ إبراهيم البليهي!
أتمنى أن تكون هذه الحادثة درسا لكل سائح ومبتعث، أن يحترم الأمم الأخرى وأن يستفيد منها، وليعرف كل إنسانٍ الأنظمة كي لا يتورط بمثل هذه البلية، وشر
البلية ما يضحك!.